في ظل إدراج مادة اللغة الكوردية ضمن مناهج وزارة التربية العراقية خارج نطاق إقليم كوردستان، تُكشف معطيات ميدانية عن عقبات تعترض تطبيق هذه الخطوة، لاسيما في العاصمة بغداد، حيث تُعاني العملية التعليمية من شُحٍّ في الكوادر التدريسية المؤهلة، وضعف في المنهج التعليمي الذي لا يرتقي - حسب مراجعين - لمستوى إثراء المخزون اللغوي للطلبة.
وتُسلط مصادر تربوية الضوء على إشكالات مُركَّبة تُعيق تدريس المادة، يأتي في مُقدمتها اعتماد عدد من المدارس على مُدرّسين غير مُتخصّصين لسد العجز، إلى جانب محدودية المحتوى التعليمي الذي يرتكز على تعليم المفردات من دون تطوير المهارات اللغوية الشاملة، في مشهدٍ يطرح تساؤلات حول فاعلية الآليات المعتمدة لتعميم اللغة في المنظومة التعليمية الاتحادية.
كشفت إحصاءات حصلت عليها مجلة «كوردستان بالعربي» عن وجود 608 مدارس كوردية تتبع وزارة التربية العراقية، تُدرّس مناهجها بالكامل باللغة الكوردية عبر جميع المراحل الدراسية. وتتصدر محافظة كركوك القائمة بـ530 مدرسة، تليها محافظة صلاح الدين مع 33 مدرسة في قضاء الدوز، و45 مدرسة في قضاء خانقين التابع لمحافظة ديالى.
من جهةٍ أخرى، أوضحت الإحصاءات أن تدريس اللغة الكوردية في العاصمة بغداد وباقي المحافظات العراقية يقتصر على مادة واحدة ضمن المناهج الدراسية، ويُدرّس حصرياً لطلبة المرحلة الإعدادية.
في إحدى قاعات ثانوية الجاحظ للبنين في بغداد، يقف الأستاذ حاتم عبد الجليل أمام طلابه محاولاً شرح قواعد اللغة الكوردية. وتتراوح نظرات الطلاب بين الاهتمام والحيرة، فيما يبذل الأستاذ جهداً مضاعفاً لإيصال المعلومة في ظل غياب الوسائل التعليمية الحديثة.
«أغلب التحديات التي تواجهنا في تدريس اللغة الكوردية هي صعوبة الفهم وعدم تسلسله وصعوبة الإصغاء والتحدث بها»، يقول الأستاذ حاتم لمجلة «كوردستان بالعربي»، والذي يرى أن الأمر «يتطلب تسلسل المادة من حيث الحروف كمرحلة أولية لفهم الطالب من حيث الحروف الأبجدية، لكننا نرى دخول مادة القواعد مباشرة للطلاب، وهذا يشكل صعوبة في وصول الفكرة إلى ذهن الطالب».
ينظر عبد الجليل إلى تجربة تدريس اللغة الكوردية في مدارس بغداد كمشروع واعد يحتاج إلى دعم كبير. «نحتاج إلى قاعات دراسية نموذجية وشاشات عرض إلكترونية ودورات تدريبية لترسيخ فهم المادة وإيصالها للطالب»، مؤكداً وجود نقص حاد بالمدرسين المتقنين للغة في المدارس.
من جانبه، يرى مدير ثانوية الجاحظ للبنين، الأستاذ عادل أحمد محمود، أن تحديات تدريس اللغة الكوردية تكمن في كونها مادة جديدة على الواقع التدريسي في بغداد. «تقييم مستوى الطلبة ضعيف جداً ولا يرتقي بالمستوى المطلوب من حيث الدراسة والفهم للمادة المقررة بسبب ضعف المستلزمات الحديثة»، يوضح محمود، ويضيف: «لا حاجة لنا في استقدام المدرسين من حكومة الإقليم لأن الخلل لا يكمن في مدرس اللغة الكوردية فحسب، إنما الخلل يكمن في معالجة الوضع من خلال زج مدرسينا في دورات تدريبية للغة الكوردية».
ويطالب محمود بتوفير مختبرات لتأهيل مدرسي اللغة الكوردية وإدخال الطلبة في دورات تأهيلية وتطويرية في العطل الصيفية.
عبد الله عامر ياسين، أحد طلاب المدرسة، يروي تجربته مع تعلم اللغة الكوردية قائلاً: «الحقيقة كانت صعبة في بادئ الأمر، لكن مع الاستمرارية وجدنا سهولة في الأمر. وجدت أن هناك تقارباً في فهم اللغة الكوردية كونها مقاربة للغة العربية».
فيما يشير الطالب عبد العزيز مصلح إلى أنه «لا توجد لغة معايشة بين الطلبة بسبب نقص بعض المواد والمستلزمات التي تساعد على فهمنا للمادة، ولا توجد لدينا دورات تدريبية صيفية». ويضيف: «هناك تشجيع من أهالينا لتعلم اللغة الكوردية لتعزيز تنوع الثقافات ودمجها مع اللغة العربية».
أولياء الأمور: دعم واسع وطموح للتنوع الثقافي
يلعب أولياء الأمور دوراً مهماً في دعم هذه التجربة الثقافية. يقول والد الطالب أحمد حسون خلف: «نحن نشجع على إدخال مادة اللغة الكوردية إلى مدارسنا كونها لغة ضرورية لتنوع الثقافات، إلا أن المشكلة تكمن في نقص حاد في الأساتذة المختصين للمادة». ويطالب بإدخال مادة اللغة الكوردية في المدارس الابتدائية وإقامة دورات صيفية للطلاب، مؤكداً على أن «درجة استيعاب أبنائنا للمادة كبيرة جداً ولهم شغف واسع للتعلم».
من جهته، يشارك والد الطالب عبد العزيز مصلح رؤية عملية لأهمية تعلم اللغة: «اللغة الكوردية ضرورية جداً وأنا لا أُجيد التكلم باللغة الكوردية، وقمت بتشجيع ابني على تعلمها لمساعدتي من حيث التعامل مع التجار في إقليم كوردستان». ويضيف: «أطالب بدعم هذه اللغة في مناطقنا وإسنادها بكافة مفاصلها من حيث الكوادر التدريسية والأجهزة الحديثة، حتى تكون بمثابة النهضة التي تبدع في انتشار اللغة ودمجها مع اللغة العربية».
رؤية استراتيجية من إدارة التربية
يؤكد الأستاذ حامد جاسم محمد، مدير عام التربية التابعة لتربية الكرخ الثالثة، على أهمية تعزيز تدريس اللغة الكوردية كجزء من استراتيجية تعليمية شاملة.
«من أهم الخطط الاستراتيجية هو أن يكون هناك افتتاح مدارس فيها مناهج لغة كوردية على أن تكون هذه المدرسة بواقع فعلي في كل قضاء، خاصة في المناطق التي فيها كثافة سكانية من بغداد»، ويشدد على «إدخال المنهاج الكوردي في الامتحانات الوزارية وخاصة الدراسة الابتدائية في مدارسنا».
ويقترح المدير العام آليات عملية للتعاون مع إقليم كوردستان: «صلة التعاون تكون من خلال تكثيف الدورات وإقامتها في إقليم كوردستان أو جلب مختصين من مدارس الإقليم إلى مدارس مناطق بغداد»، داعياً إلى «زيادة الدعم المادي لغرض إنشاء مستلزمات حديثة تساعد مدارسنا على ترسيخ فهم الطالب للمادة». كما يطالب بأن «يكون هناك ممثل من وزارة تربية حكومة الإقليم في وزارة التربية المركزية لغرض تقليل العوائق القانونية والإدارية».
نقص الكوادر وتحديات المواد التعليمية
تشير السيدة سندس علي حسن، مديرة ثانوية الرحاب للبنات التابعة لتربية الكرخ الثالثة، إلى «صعوبة في الكادر النسوي للغة الكوردية» مع وجود «كادر محدود جداً»، وإلا فإن «هناك رغبة لدى الطالبات في تعلم اللغة الكوردية». وتشجع سندس على «استقدام كوادر تدريسية من حكومة الإقليم إلى مدارسنا كحافز على تعزيز الروابط التي تساعد على تنوع الثقافات في مدارسنا وترسيخ فهم المادة أكثر».
وتصف السيدة رسالة عباس، مدرسة اللغة العربية في ثانوية الرحاب للبنات، الواقع بدقة: «لدينا مدرس واحد لتعليم اللغة الكوردية مشترك ما بين البنين والبنات في مدارسنا»، وتؤكد أن «هناك درجة استيعاب كبيرة من قبل طالباتنا رغم النقص الحاد بالمصادر للغة الكوردية والمستلزمات الحديثة التي تساعد طالباتنا على الفهم والانسجام مع المادة أكثر».
آراء متباينة بين الطلبة
تعبّر الطالبة روان محمد خليل عن رؤية فريدة حول التبادل الثقافي، قائلة: «تقييمي للغة الكوردية في مدارسنا جيد لكن مدرسينا ليسوا كورداً إنما ممتهنين للّغة الكوردية». وتضيف: «من الأفضل أن يُستقدم مدرسون من حكومة الإقليم إلى مدارسنا».
وتشير روان إلى صعوبة من الناحية العملية: «لدينا صعوبة النطق باللغة الكوردية. وذلك بسبب غياب مبدأ المحادثة وتكوين جمل كاملة، لأن موادنا مكونة من مفردات متقطعة لا تكوّن جملاً لسهولة الفهم والحفظ».
أساس دستوري للتعددية اللغوية
جدير بالذكر أن الدستور العراقي الذي كُتب بعد عام 2003 نص في مادته الرابعة على أن اللغة العربية واللغة الكوردية هما اللغتان الرسميتان للعراق. ومنذ تشكيل أول حكومة عراقية بعد ذلك العام، عمدت المؤسسات العراقية كافة، ومنها الرئاسات الأربع (البرلمان والوزراء والجمهورية والقضاء) والوزارات ودوائرها الفرعية، إلى اعتماد اللغتين العربية والكوردية في جميع مخاطباتها الرسمية من دون استثناء.
وبينما تمضي تجربة تدريس اللغة الكوردية في مدارس بغداد قدماً بخطى متثاقلة بسبب التحديات، يبقى الأمل معقوداً على زيادة الدعم الحكومي وتعزيز التعاون بين وزارة التربية المركزية ونظيرتها في إقليم كوردستان، للارتقاء بمستوى التعليم وتحقيق التنوع الثقافي الذي يتطلع إليه المدرسون والطلبة وأولياء الأمور على حد سواء.
قصي الدليمي: عضو نقابة الصحفيين العراقيين ومراسل «كوردستان بالعربي» في بغداد