مشروع بيئي يوفر فرص عمل للنساء
مشروع بيئي يوفر فرص عمل للنساء
August 13, 2025

بهُدوءٍ وهمّة، غادرت الحاجة رقية مجيد، المعروفة بين جيرانها بلقب «دايه حاجي»، منزلها الواقع في أحد أحياء قضاء بردرش بمحافظة دهوك، وهي تحمل كيسين من النفايات، ماضية في طقسها اليومي للمساهمة في الحفاظ على البيئة.

ورغم تجاوزها السبعين من العمر، لا تزال الحاجة رقية تؤمن بأن لكل فرد دوراً أساسياً في حماية البيئة. وقفت أمام باب بيتها، تفرز بقايا الطعام عن الزجاج والمعادن، واضعة كل نوع في حاوية مخصصة: كيس أسود كبير للنفايات الجافة، وآخر أحمر صغير للمخلفات العضوية. تقول: «كنت أشعر بالذنب حين أرمي كل شيء في حاوية واحدة، أما الآن فالوضع أفضل بكثير».

منذ عام 2011، تعمل شركة (MRF) في مجال جمع النفايات، إلا أنها أطلقت نظام فرز النفايات من المصدر قبل عامين فقط، مستهدفة مناطق بردرش وعقرة وشيخان.

ومع الوقت، بات من المعتاد أن تمتلك كل أسرة في الحي حاويتين مخصصتين، فيما تتولى مركبة خاصة جمع النفايات يومياً، وتنقلها إلى منشآت إعادة التدوير والمعالجة بعد فصلها.

الحاجة رقية تُبدي فخراً كبيراً بمساهمتها في هذا المشروع، وتعرب عن أملها بأن تتوسع التجربة لتشمل جميع مناطق إقليم كردستان. وتوضح: «مهامي اليومية أصبحت أسهل منذ بدء الفرز المنزلي، لم أعد أحتفظ ببقايا الطعام في الثلاجة، بل أفصلها مباشرة وأعطيها للمواشي».

ويُعد مشروع فرز النفايات تجربة رائدة وحديثة في العراق، وقد لقي استجابة واسعة من السكان الذين بادروا بالانخراط في تنفيذه من دون تأخير. وتُعتبر شركة (MRF) الأولى من نوعها في العراق، وتعمل بالشراكة مع دوائر البلديات، حيث وزعت حاويات مخصصة على المنازل، والأسواق، والمحال التجارية، والمقاهي، والدوائر الحكومية، وكذلك في الأماكن العامة والمساجد، بهدف تسهيل عملية الفرز والحد من التلوث.

الصور: أحمد مساعد

 

وبحسب تقرير صادر عن هيئة الإحصاء في إقليم كردستان، تنتج محافظة دهوك وحدها أكثر من 1600 طن من النفايات يومياً، من أصل 6829 طناً تُنتج في الإقليم بأكمله.

وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن العراق يحتل المرتبة الخامسة عالمياً بين الدول الأكثر تأثراً بالتغير المناخي وتدهور البيئة.

مدير عام شركة (MRF)، مسعود محمد، يؤكد أن المشروع يضم 77 موظفاً، بينهم 55 امرأة و22 رجلاً، مشيراً إلى أن جميع سائقي الشاحنات هم من الرجال. ولقد «واجهنا صعوبات في البداية، لذلك بادرنا إلى توزيع الحاويات مباشرة على المنازل لتشجيع السكان على التفاعل».

وبلغت كلفة شراء الحاويات وتوزيعها أكثر من مليار و355 مليون دينار عراقي، فيما تملك الشركة أسطولاً يضم 165 مركبة مخصصة لجمع النفايات، تتجول يومياً في الأحياء لنقل النفايات إلى مركز إعادة التدوير الرئيسي.

تمر النفايات بمراحل فرز دقيقة، تُشرف عليها نساء مدربات، يعملن على تصنيف الورق والنايلون والبلاستيك وغيرها من المواد القابلة للتدوير. ويؤدين عملهن وسط تجهيزات وقائية متطورة، من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الرابعة عصراً، مقابل راتب شهري قدره 500 ألف دينار.

شريهان رحيم، أم لأربعة أطفال وزوجها غير قادر على العمل، تقول إن «الكادر يعمل بروح جماعية متعاونة. هذا المشروع منح عائلتي استقراراً معيشياً وكرامة. نحن نحرص على تعقيم أنفسنا يومياً للوقاية من الأمراض».

ويشير مدير الشركة إلى أن النفايات تُقسم إلى عضوية وغير عضوية، حيث تُفرز وتُجفف وتُضغط، ثم تُباع كمواد خام لشركات محلية وأخرى في تركيا وإيران. ويضيف: «عوائد بيع المواد تُوزّع بين شركتنا والبلديات، أما بقايا الطعام التي تمثل حوالي 65% من النفايات، فنعمل على تحويلها إلى سماد عضوي وأعلاف حيوانية، تُباع بأسعار رمزية للمزارعين».

وتُشرف على تنفيذ المشروع 23 لجنة بلدية، تتولى مراقبة عمليات الجمع والفرز، باستخدام مركبات خاصة، حتى في الأزقة الضيقة. ويقول بلند طاهر، مدير بلدية عقرة: «في البداية، كان التفاعل محدوداً، لكن مع حملات التوعية ودعم رجال الدين، ارتفعت نسبة الملتزمين إلى نحو 60% من السكان».

وفيما يُشرف فريق من وزارة الزراعة على معالجة النفايات العضوية، يجري التخطيط لاستخدام جزء منها في مشاريع مستقبلية، مثل إنشاء مأوى للكلاب السائبة. وتُستخدم البقايا في إنتاج السماد العضوي، عبر خلطها بعناصر مغذية للتربة مثل النيتروجين، والفوسفور، والبوتاسيوم.

محمد علي گوران، خبير في وزارة الزراعة، يؤكد أن «السماد المنتج طبيعي وآمن، ويُعزز خصوبة التربة»، مضيفاً أن «الأعلاف المصنّعة من بقايا الطعام تمر بمراحل تجفيف وطحن، وتُضاف إليها عناصر غذائية لتصبح جاهزة لاستخدام مربي المواشي، تحت إشراف بيطري لضمان الجودة».

وقد لقي المشروع ترحيباً واسعاً من سكان قرية أسماوا التابعة لقضاء بردرش، الذين يعتمدون في معيشتهم على الزراعة وتربية المواشي. ويقول المزارع لطيف شاكر (64 عاماً): «استخدمنا السماد الطبيعي المصنّع محلياً، ولم نواجه أي مشكلات، بل وجدناه عالي الجودة وقليل التكلفة».

ويضيف شاكر أن «هذا المشروع يحمي البيئة، ويقلل التلوث، ويوفر فرص عمل، خاصة للنساء في المنطقة».


سجى إسماعيل: صحفية كوردية



X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved