كيف يواجه إقليم كوردستان خطر الزلازل؟
كيف يواجه إقليم كوردستان خطر الزلازل؟
August 13, 2025

كيف يواجه إقليم كوردستان خطر الزلازل، لاسيما بعد إدراجه ضمن منطقة «الحزام الناري»؟ وهل يمكن الحد من تأثيرها المدمر، لاسيما بعد انتشار المجمعات السكنية والبناء العمودي؟ وقبل هذا وذاك ما هي الزلازل وما أسباب وقوعها؟

وتعرض الإقليم لـ 539 هزة أرضية سنة 2024 و190 أخرى لغاية 14/5/2025 تتراوح شدتها بين 0.5 و5 درجات على مقياس ريختر، شدة اثنتان منها أكثر من أربع درجات، بحسب ما أورده جوهر حمه لاو خالد، مدير الأنواء الجوية والرصد الزلزالي وكالةً في السليمانية، لمجلة «كوردستان بالعربي».

وكان موقع Earthquake العالمي لرصد الزلازل، أدرج إقليم كوردستان على خط الزلازل أو ما يعرف بمنطقة «الحزام الناري» في كانون أول / ديسمبر 2017.

 

ظاهرة طبيعية

وبهذا الشأن قال العالم الجيولوجي البروفيسور عز الدين نجم الدين بابان، لمجلة « كوردستان بالعربي» إن الزلازل «ظواهر طبيعية ناتجة عن الحركة المفاجئة والسريعة والعنيفة في الصخور القريبة من سطح القشرة الأرضية تسبب اهتزازاً عنيفاً ودماراً نتيجة للتمزق والانزلاق على طول الشقوق في قشرة الأرض المعروفة بالفوالق (الصدوع)»، مشيراً إلى أن زمن حدوثها «يتراوح في الغالب بين 3 ثوان إلى 3 دقائق يعقبها تحرير طاقة من القشرة الأرضية تنتشر على شكل موجات زلزالية يمكن أن تتراوح قوتها من هزات خفيفة لا يشعر بها الإنسان إلى أخرى مدمرة».

البروفيسور عز الدين نجم الدين بابان

 

وأضاف بابان، التدريسي في جامعتي صلاح الدين والسليمانية لأكثر من أربعين عاماً، أن معظم الزلازل «تحدث نتيجة لحركة الصفائح التكتونية التي تشكل القشرة الأرضية، وهذه الصفائح تتحرك ببطء فوق طبقة الوشاح (الجبة) اللزجة وعندما تحتك هذه الصفائح ببعضها البعض أو تنزلق فوق أو تحت بعضها عند الصدوع (فوالق في القشرة الأرضية) يتراكم الضغط. وعندما يتغلب هذا الضغط على قوة الاحتكاك بين الصخور ينطلق فجأة على شكل موجات زلزالية تنتشر عبر الأرض مما يسبب الاهتزاز الذي نشعر به»، مبيناً أن الصفائح التكتونية هي «قطع كبيرة من القشرة الأرضية تطفو فوق طبقة شبه سائلة (لزجة) تُعرف بالأسينوسفير Asthenosphere. وتتكون هذه الصفائح من الغلاف الصخري الذي يشمل كل من القشرة الأرضية والجزء العلوي من الوشاح (الجبة) وتتحرك الصفائح التكتونية ببطء وباستمرار بسرعة تتراوح بين 2.5 إلى 15 سم سنوياً وتحدث الزلازل عندما تتحرك الصفائح التكتونية فجأة».

وأوضح بابان أن آلاف الزلازل «تحدث حول العالم يومياً، ولحسن الحظ فإن معظمها لا يمكن اكتشافه إلا بواسطة أجهزة حساسة ويتم تسجيل حوالي 75 زلزالاً قوياً سنوياً العديد منها في مناطق نائية»، لافتاً إلى أن الزلازل القوية «تتبعها العديد من الاهتزازات الصغيرة التي تُسمى الهزات الارتدادية التي تتناقص تدريجياً في التردد والشدة على مدى عدة أشهر». 

 

موقع کوردستان من الخارطة الزلزالية

وقدر تعلق الأمر بإقليم كوردستان، قال العالم الجيولوجي، مؤلف كتاب «مقدمة في الاستكشاف الزلزالي»، إنه «يقع من الناحية التكتونية في منطقة حساسة ما بين محل الانتقال بين الوحدتين التكتونيتين المتمثلتين بالصفيحة العربية والأوراسية – الإيرانية»، مبيناً أن عملية تكوين وتطور التراكيب التكتونية الحديثة «ما تزال مستمرة نتيجة استمرار حركة الصفيحة العربية باتجاه الشمال والشمال الشرقي، مولدة ضغطاً شديداً على التراكيب الجيولوجية في كوردستان. وأن هذا الضغط يزداد على المناطق الضعيفة التي تخترقها أحزمة من الفوالق العميقة (السطحية والمدفونة) فيها والمتقاطعة والمشعبة ما يزيد الضغط على مناطق (تقاطع، التشعب، الانحراف الفوالق). لذا تقع مراكز أغلب النقاط الزلزالية في إقليم كوردستان بمثل تلك المواقع». 

وأفاد بابان أنه «تم تثبيت 185 زلزالاً على الخارطة الزلزالية لإقليم كوردستان وتم تحديد موقع 29 زلزالاً على أساس العمق وتبين أن عمق 22 منها أقل من 33 كلم»، موضحاً أن زلزالاً واحداً «يقدر عمقه بين (33 - 59 كلم) وإن عمق 6 زلازل يتراوح بين (59 - 99 كلم)، علماً إن معدل سمك القشرة الأرضية في زاگروس يتراوح بين (62 - 63 كلم)، وأن هناك علاقة بين قوة الزلزال ومصدر عمق بؤرته». 

وتابع العالم الكوردي، الذي يحمل عضوية الجمعيات الجيولوجية الكوردستانية والأمريكية والأوروبية، أن المناطق الواقعة شرق نهر دجلة «تعد نشطة زلزالياً وأن حوالي 80% من الهزات الأرضية المسجلة في العراق حدثت في تلك المنطقة تحديداً»، وتابع أن إقليم كوردستان والمناطق القريبة من الحدود الإيرانية التركية «شهدت مئات الهزات الأرضية بقوة وأماكن مختلفة ما سبب أضراراً بالمباني وشبكات الري كما تعرضت مدينة أربيل عام 1991 لهزة مماثلة بقوة 5,4 درجة أوقعت خسائر بشرية ومادية».

وبشأن الأسباب الجيولوجية وراء حدوث الزلازل في منطقة كوردستان، رأى البروفيسور عز الدين بابان، أن تصادم الصفائح التكتونية «يؤثر على النشاط الزلزالي في كوردستان بسبب موقعه الجغرافي الفريد عند الحدود بين الصفيحتين العربية والأوراسية»، مشيراً إلى أن التصادم المستمر للصفيحتين «يراكم الضغط في القشرة الأرضية وعندما يتجاوز ذلك قدرة الصخور على التحمل يحدث انزلاقاً مفاجئاً على الفوالق مما يؤدي إلى حدوث زلازل، وأن ذلك التصادم أدى إلى تشكل جبال زاگروس التي تمتد عبر شمال العراق وإيران كما تؤدي الحركة المستمرة للصفائح إلى تكوين فوالق جديدة وتفعيل القديمة».

وأكد بابان أن إقليم كوردستان «يشهد نشاطاً زلزالياً متكرراً يدل على أن المنطقة ما تزال نشطة زلزالياً كما يؤدي الضغط المتزايد على الفوالق الناتج عن حركة الصفيحة العربية نحو الشمال إلى تفعيل الفوالق الموجودة في المنطقة»، منوهاً إلى أن ذلك يمكن أن «يتسبب في زلازل صغيرة أو متوسطة الحجم قد تكون محسوسة من قبل السكان، علماً أن الزلازل الناتجة عن تصادم الصفائح يمكن أن تؤدي إلى تغييرات في البيئة المحلية مثل الانهيارات الأرضية وتغيرات في مجاري الأنهار ما قد يؤثر على الحياة اليومية للسكان ويزيد من المخاطر الطبيعية في المنطقة».

 

أهم الفوالق النشطة في كوردستان 

ومضى العالم الكوردي قائلاً، إن الفوالق النشطة «تلعب دوراً رئيسياً في حدوث الزلازل في كوردستان وهو منطقة تقع ضمن نطاق الحزام الزلزالي الألبي الهيمالايا النشطة تكتونياً نتيجة لتصادم الصفيحة العربية مع الصفيحة الأوراسية»، مبيناً أن الضغط الناتج عن حركة هذه الصفائح «يؤدي إلى تراكم الإجهاد على طول الفوالق الرئيسية النشطة التي يمر العديد منها عبر هذه المناطق، بما في ذلك فالق شمال الأناضول الذي يمتد عبر شمال تركيا، وهو أحد أكثر الفوالق النشطة والخطيرة في العالم. وقد تسبب في العديد من الزلازل المدمرة في تاريخ تركيا وفالق شرق الأناضول الذي يقع في جنوب شرق تركيا ويتجه نحو الشمال الشرقي ويلتقي بفالق شمال الأناضول. وكان مصدراً للعديد من الزلازل بما في ذلك زلزال كهرمان مرعش المدمر. وهنالك فوالق ثانوية متفرعة من فالق شمال الأناضول وشرق الأناضول تسهم أيضاً في النشاط الزلزالي في المنطقة، وكذلك منطقة صدع زاگروس التي تمتد على طول غرب وجنوب غرب إيران وتشمل أجزاءً من إقليم كوردستان، وهي منطقة نشطة نتيجة لاندساس الصفيحة العربية تحت الصفيحة الأوراسية كما توجد فوالق داخلية محلية في كوردستان وإيران وتركيا تتسبب بحدوث زلازل محلية».

 

هل يمكن التنبؤ بالزلازل؟

يجزم البروفيسور بابان، بأنه «لا يمكن التنبؤ بالزلازل حتى الآن من حيث التوقيت والمكان والقوة بسبب تعقيد حركة الصفائح التكتونية»، عازياً ذلك إلى أن القوى الجيولوجية «تتفاعل بطرق غير خطية مما يجعل تحديد اللحظة الدقيقة للزلزال مستحيلًا حالياً. كما لا توجد علامات ثابتة أو مؤشرات موثوقة تنذر بحدوث الزلزال وأن البيانات المتوافرة غير كافية ويصعب مراقبة الطبقات العميقة من الأرض بنحو مستمر ودقيق برغم وجود محاولات علمية لفهم الإشارات المحتملة التي قد تسبق الزلازل».

ورأى أن ذلك يعود للأسباب الآتية:

  1. هناك محاولات علمية للتنبؤ بها رغم الصعوبات، وهناك أبحاث تركز على: الشواهد التمهيدية مثل تغيرات في ضغط المياه الجوفية. ارتفاع مستوى غاز الرادون في التربة. هزات أرضية صغيرة (هزات مسبقة) قبل الزلزال الرئيسي (لكنها لا تحدث دائماً. وعلى الذكاء الاصطناعي حيث تُحلل الخوارزميات بيانات تاريخية لاكتشاف أنماط محتملة. وتركز كذلك علی أنظمة الإنذار المبكر (مثل التي تلك في اليابان والمكسيك) تعتمد على كشف الموجات الزلزالية السريعة لإصدار إنذار مبكر قبيل وصول الموجات المدمرة بثوانٍ أو دقائق.
  2. أمثلة على محاولات فاشلة وناجحة: نجاح جزئي، في 1975، تنبأ علماء الصين بزلزال هايتشنغ وتم إخلاء المدينة، لكنه كان حالة نادرة. فشل أغلب المحاولات: مثل عدم توقع زلزال توهوكو 2011 (اليابان) رغم الشبكة المتطورة هناك.
  3. المتاح حالياً عبارة عن خرائط الخطورة الزلزالية وتُظهر المناطق الأكثر عُرضة للزلازل بناءً على التاريخ الجيولوجي (مثل كاليفورنيا أو «حلقة النار»). أجهزة الاستشعار: ترصد الهزات فور حدوثها وتنقل البيانات للمراكز المتخصصة.
  4. هناك أمل في المستقبل إذ يعمل العلماء على تطوير شبكات مراقبة أكثر دقة (أقمار اصطناعية، أجهزة قياس تحت الأرض)، نماذج حاسوبية تحاكي سلوك الصفائح التكتونية، وكذلك دراسة الإشارات الكهربائية والمغناطيسية قبل الزلازل.

 

كيفية الوقاية من مخاطر الزلازل

وبشأن إمكانية الحد من تأثير الزلازل، قال بابان إنه على الرغم من «عدم إمكانية منع الزلازل إلا أنه يمكن اتخاذ عدة خطوات للحد من آثارها»، مواصلاً أن من بينها:

  • تصميم المباني المقاومة للزلازل، إذ يجب أن تُبنى المباني وفقاً لمعايير مقاومة الزلازل، مثل استخدام مواد مرنة وإطارات فولاذية، تطبيق الهندسة الزلزالية وتجنب البناء على تربة رخوة أو قرب الصدوع النشطة، وتعزيز المباني القديمة‎ خاصة في المدن عالية الخطورة.
  • تقويم المخاطر، إذ يجب على الحكومة والمجتمعات المحلية تحديد المناطق المعرضة للخطر وتقويم المخاطر المحتملة.
  • أنظمة الإنذار المبكر: بعض الدول (مثل اليابان والمكسيك) لديها أنظمة تُنذر السكان قبل ثوانٍ من الهزة.
  • التوعية الاجتماعية والتدريب: من المهم توعية السكان بشأن كيفية التصرف أثناء الزلازل، مثل اتباع قاعدة «الاحتماء والتغطية والثبات» أثناء الهزات، تجهيز حقائب طوارئ تحتوي على: ماء، وغذاء، ومصباح، وأدوية، ومعرفة إغلاق صمامات الغاز والكهرباء وغيرها.
  • تأمين الأثاث: يجب تثبيت الأثاث والأشياء الثقيلة بشكل آمن لتقليل خطر سقوطها أثناء الزلزال.
  • إعداد خطط الطوارئ: يجب أن تكون هناك خطط طوارئ واضحة تشمل أماكن التجمع ومخارج الطوارئ.
  • تحسين البنية التحتية: تعزيز البنية التحتية الحالية لتكون أكثر مقاومة للزلازل، مثل استخدام تقنيات امتصاص الصدمات في الأساسات.

وخلص العالم الكوردي، إلى أن اتباع تلك الخطوات يمكن أن «يقلل الأضرار المحتملة الناتجة عن الزلازل مما يسهم في حماية الأرواح والممتلكات».

وأعلنت وزارة الإعمار والإسكان في حكومة إقليم كوردستان، في وقت سابق، عن عزمها اتخاذ إجراءات احترازية لحماية الإقليم من مخاطر الزلازل، مؤكدة أنها ستعتمد آليات جديدة لإنشاء المشاريع خصوصاً بعد زلزال «كهرمان مرعش» الذي ضرب جنوب تركيا في 6 شباط / فبراير 2023، وبلغت قوته 7.8 درجة على مقياس ريختر، وامتدَّ أثره إلى سوريا، وتسبب بدمار هائل وآلاف الضحايا. مؤكدة على أنها ستدقق طبيعة إقامة المشاريع والمباني في الإقليم.


باسل الخطيب: صحفي عراقي



X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved