الدستور العراقي كفيل بحقوق كوردستان في نفطها
الدستور العراقي كفيل بحقوق كوردستان في نفطها
September 21, 2025

من البين والواضح، أن سياق الدستور العراقي العام هو الحيلولة دون عودة الاستبداد. وانسجاماً مع هذا السياق أراد الدستور إبعاد قبضة السلطة الاتحادية على هذه الثروة، فلم يجعل النفط والغاز ملكاً للدولة، ولا ملكاً للشعب؛ منعاً لأي مجال تتوهم فيه الحكومة الاتحادية أنها تجسد الشعب وتمثله، فتعود الديكتاتورية والاستبداد بالثروة الأساسية كما كان في عهد الدولة الاستبدادية التي وظفت هذه الثروة لا لرفاهية الشعب؛ بل للحروب المدمرة.

لهذا كله قرر الدستور الجديد أن يكون له وضع خاص فلم يجعله ضمن السلطات الاتحادية الحصرية، ولا ضمن الإدارة المشتركة، ولا جعل رسم السياسة الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط ضمن الصلاحيات الحصرية للسلطة الاتحادية، وهو ما دأب عليه الدستور في منهجية تحديد الصلاحيات في المادة 110؛ بل خصص مادة دستورية واضحة الكلمات والدلالات إبعاداً لشبهة الغموض، وهي المادة 111 لبيان أن النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات، ومعلوم في اللغة العربية أن كلمة «كل» إذا أضيفت إلى المعرّف فيعني عموم الأجزاء. ومعنى ذلك أن لكل فرد من أفراد الشعب العراقي في كل إقليم ومحافظة حصة كأنها ملكية شائعة. واستناداً إلى هذه المادة الدستورية، وإلى طبيعة النظام العراقي الجديد الموسومة بالفيدرالية والتعددية والديمقراطية، ولأن المالك الحقيقي لهذه الثروة هو مجموع الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات، وما دامت حصيلتها توزع بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، كان من الطبيعي؛ بل والضروري، أن تكون إدارتها شفافة قريبة من رقابة المواطنين.                  

هذا وقد تولت المادة 112 بفقرتيها بيان الخط العام لإدارتها بشكل مشترك، ولرسم السياسة الاستراتيجية اللازمة لتطوير هذه الثروة كالآتي:        

في الفقرة الأولى من هذه المادة يعالج موضوع إدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية القائمة. وهذه المهمة تناط لا بالحكومة الاتحادية وحدها؛ بل بالحكومة الاتحادية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، والإنتاج شرط للمحافظة لا للإقليم كما توهم بعضهم. ومعنى هذا أن الحكومة المحلية في البصرة مثلاً تصاحب الحكومة الاتحادية الممثلة بوزارة النفط والشركة التابعة لها في إدارة إنتاج هذه الثروة، على أن ينظم هذا بقانون. وواضح أنها سكتت عن الحقول المستقبلية؛ ومن الثابت، كما نصت المادة 115 من الدستور، أن الحالات المسكوت عنها في الدستور تكون ضمن اختصاص الإقليم أو المحافظة المنتجة، فالإقليم وحده له الحق الذي لا ريب فيه فيما يمارسه الآن من إدارة الحقول المستقبلية؛ خلافاً لما يروجه حتى بعض المخلصين منا؛ ولكن يبقى التوزيع المنصف للواردات بالتناسب مع نسبة السكان في أنحاء العراق ضامناً للعدالة في النهاية. 

وحيث إن واردات النفط والغاز تعود إلى سكان البلاد جميعهم، فمن المنطقي أن يشارك الجميع معاً، أي الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة بالمصاحبة، وكلمة معاً في العربية تعني المصاحبة الفعلية ولا يكفي أبداً التنسيق والتشاور، في رسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز، بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي. وهو ما نصت عليه الفقرة ثانياً من المادة المذكورة أعلاه ولم يطبقها الحكومة الاتحادية لا بمعناها الحقيقي ولا بمعناها غير الحقيقي.

وكان المفروض أن يسود حسن النية في العلاقة بين الإخوة الذين يربطهم مصير مشترك وتاريخ من الأخوة عميق كالعلاقة بين العرب والكورد؛ لاسيما أن كوردستان كانت ملاذاً آمناً للعراقيين في أيام المحن؛ فلا يعقل أن يسمح بثقافة الكراهية وشعاراتها ضد الكورد وتطلعاتهم الإنسانية في أوساط العراقيين، كما يجب أن تلتزم الحكومة الاتحادية بالمساواة بين المواطنين وهي القيمة التي أكدتها شرائع العالم الدينية والوضعية، وكذلك دستورنا الدائم في المادة 114 «العراقيون متساوون أمام القانون». وهكذا تفعل الحكومة الاتحادية بشأن قضايا الجنسية والإقامة. ومع أنها شأن اتحادي فإن الإدارة التي تؤدي هذا الاختصاص في إقليم كوردستان تتكون من موظفين محليين تابعين للحكومة الاتحادية في بغداد من كل النواحي؛ فمن الميسور جداً، في حال حسن النية، قياس إدارة الاختصاصات المشتركة كالمنافذ الحدودية والمطارات على ‌هذه الحال، أي تقوم الحكومة الاتحادية بتعيين موظفين محليين تابعين لها فيما يخص الإدارة المشتركة؛ كما يجري في مطارات البصرة والنجف الأشرف والمنافذ الحدودية. فلماذا لا يعاملون مطارات كوردستان بالمثل؟

الاختصاص الحصري للإقليم

من المفيد أن نشير هنا إلى أن الدستور الدائم حدد حالتين في المادة 115 يكون قانون الإقليم فيهما هو المرجع، لا قانون الحكومة الاتحادية؛ لا حصراً ولا اشتراكاً، وهما كالآتي:

أ. كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، أي الحالات المسكوت عنها ضمن السلطات الحصرية للسلطات الاتحادية في المادة الدستورية 110. وهذه الحال تكون من صلاحية الإقليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.

ب. حالة تعارض قانون الاتحاد الصادر ضمن الصلاحيات المشتركة وفقاً للمادة 114 من الدستور الدائم مع قانون الإقليم الصادر كذلك.

كما يجب أن يدرك الساعون بحسن نية إلى تحقيق التعاون المنشود دستورياً بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان؛ لاسيما في مجالات الواردات الاتحادية، أن هذا المبتغى المشروع لن يتحقق من دون تنفيذ المادة 106 من الدستور التي بموجبها (تؤسس بقانون، هيئة عامة لمراقبة تخصيص الواردات الاتحادية. وتتكون الهيئة من خبراء الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات وممثلين عنها، وتضطلع بالمسؤوليات الآتية:

أولا: التحقق من عدالة توزيع المنح والمساعدات والقروض الدولية بموجب استحقاق الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم.

ثانياً: التحقق من الاستخدام الأمثل للموارد المائية الاتحادية واقتسامها.

ثالثاً: ضمان الشفافية والعدالة عند تخصيص الأموال لحكومات الأقاليم أو المحافظات غير المنتظمة في إقليم، وفقاً للنسب المقررة).

وقد أحاط قانون النفط والغاز لإقليم كوردستان رقم 22 لسنة 2007 بجميع متطلبات التعاون بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم بموجب الدستور، وفي هذا المجال تنص المادة 19 منه على (تكون أسس التعاون والاتفاق المذكورة في المادة الثامنة عشرة من هذا القانون وفق الشروط التالية:

أولاً: إيداع جميع العائدات النفطية المستحصلة في كافة أنحاء العراق في صندوق عام لعائدات النفط على أن يدار من قبل هيئة عامة مشتركة وفق ما وردت في المواد «106، 112، 121» من الدستور الاتحادي، وأن يتم الاحتفاظ بحساب ‌هذا الصندوق في مصرف عالمي ذي سمعة عالية؛ على أن يكون له حساب خاص باسم صندوق كوردستان للعائدات النفطية تودع فيه شهرياً حصة الإقليم المتفق عليها ليكون ذلك تحت السيطرة المطلقة لحكومة الإقليم على أن ينظم ذلك بقانون اتحادي مع حكومة الإقليم.

ثانياً: يجب إعادة صياغة هيكلة الصناعة النفطية في العراق لتضمن دوراً مناسباً لشركة النفط الوطنية العراقية...

ثالثاً: تُدار الحقول الحالية من قبل حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية معاً على أن يكون لحكومة الإقليم تمثيل مناسب في المجلس الاتحادي للنفط والغاز، وأن تكون شريكة في إدارة شركة النفط الوطنية العراقية بما ينسجم مع المادة 105 من الدستور الاتحادي.

رابعاً: على الحكومة الاتحادية أن لا تمارس أية عمليات نفطية جديدة في المناطق المتنازع عليها من دون موافقة حكومة الإقليم لحين إجراء الاستفتاء العام بموجب المادة 140 من الدستور الاتحادي).

والمؤسف أن الحكومة الاتحادية ألغت هذا القانون تعبيراً عن سوء النية.      

وأخيراً، ومع أننا ندرك أن في العراق رجالاً حكماء يقدرون الشراكة الحقيقية بين العرب والكورد وجميع القوميات والأديان، إلا أن الجميع بدأ يلمس اتجاهاً جديداً هو قديم ضد حقوق الكورد كشعب، وكمكون رئيس للعراق الجديد. ويكسب هذا الاتجاه، دون رادع من ضمير أو خلق، صوتاً عالياً في مجتمعاتهم، ومكانة في مراكز القرار. فهل يدرك الإخوة عواقب هذا الاتجاه؟ فاعتبروا يا أولي الأبصار.

 


د. محمد شريف: رئيس منتدى الفكر الإسلامي في إقليم كوردستان

 


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved