16 مليار دولار حجم الاستثمارات العقارية في أربيل
16 مليار دولار حجم الاستثمارات العقارية في أربيل
September 22, 2025

وسط التحولات الاقتصادية والسياسية التي شهدها إقليم كوردستان خلال العقدين الماضيين، أصبح القطاع العقاري من أبرز محركات النمو الاقتصادي في المنطقة، حيث جذب اهتمام المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء. تحولت أربيل، عاصمة الإقليم، إلى مركز حيوي للنهضة العمرانية، مع تزايد المشاريع السكنية والتجارية والسياحية التي غيّرت ملامح المدينة وأضفت عليها طابعاً استثمارياً جاذباً لرؤوس الأموال الباحثة عن بيئة آمنة ومربحة.

ويمتاز قطاع الاستثمار العقاري في إقليم كوردستان بفرص واعدة، بدءاً من الطلب المتزايد على السكن بمختلف أنواعه، مروراً بالمجمعات السكنية المغلقة، والمراكز التجارية، والفنادق، والمباني المكتبية، وصولاً إلى التسهيلات الحكومية التي تشمل إعفاءات ضريبية وتراخيص مرنة، ما يُسهل إطلاق المشاريع الكبرى في وقت قياسي. بالإضافة إلى موقع إقليم كوردستان الجغرافي، واستقراره الأمني مقارنة بمناطق العراق الأخرى، الأمر الذي يجعلها بيئة مثالية لجذب المستثمرين من شتى الجنسيات، خاصة مع اتساع الطبقة الوسطى وارتفاع الطلب على سكن حضري بمعايير حديثة.

لكن خلف هذه الصورة، تظهر تحديات حقيقية تطرح تساؤلات مهمة حول مستقبل القطاع العقاري: هل الاستثمار العقاري في كوردستان يُدار برؤية استراتيجية مستدامة؟ وما أبرز التحديات التي تواجهه في ظل التقلبات الاقتصادية، والتعقيدات القانونية، وتفاوت القدرة الشرائية للمواطنين؟ وما الدور الذي تلعبه السياسات الحكومية في تنظيم السوق وتحقيق التوازن بين مصلحة المستثمر والمجتمع؟

واقع الاستثمار العقاري في كوردستان

في تصريح لمجلة «كوردستان بالعربي»، تحدث سامان عرب، مدير دائرة الاستثمار في أربيل، عن واقع سوق العقارات في الإقليم، مشيراً إلى استقرار السوق مع بوادر انتعاش ملحوظة، خصوصاً في مدينة أربيل التي تعتبر من أبرز الوجهات الاستثمارية في العراق. وأكد أن تأسيس هيئة الاستثمار في عام 2006 شكّل نقطة تحول محورية في تطوير القطاع العقاري، حيث بلغ عدد التراخيص الاستثمارية الصادرة حتى عام 2025 نحو 131 ترخيصاً، برأسمال يتجاوز 16 مليار دولار، شملت مشاريع ذات طابع اقتصادي حيوي. وأوضح أن من بين هذه المشاريع 13 مشروعاً مخصصاً لصندوق الإسكان، بدعم مباشر من حكومة الإقليم، بهدف حصول المواطنين على وحدات سكنية وتسهيل تسديد الأقساط على مدى عدة سنوات، بموجب قرار المجلس الأعلى للاستثمار. كما تم توزيع وحدات سكنية على فئات مختلفة من المواطنين والموظفين بنظام أقساط ميسرة، منها مشروع «القرية الكورية» الذي وزّعته المحافظة على المستأجرين، ووحدات خاصة بالكادر التربوي بالتنسيق مع نقابة المعلمين، إضافة إلى مساكن مخصصة لموظفي وزارة التعليم العالي بدعم مباشر من رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني

وأشار عرب أيضاً إلى وجود مئات الوحدات السكنية قيد الإجراءات تمهيداً لإنشائها في منطقتين مختلفتين، خصصت لذوي الدخل المحدود، وستُبنى وفق معايير خاصة وبدعم حكومي مماثل، مشيراً إلى توزيع أراضٍ سكنية على الموظفين مجاناً، في ظل تزايد الطلب على الوحدات السكنية والتجارية، ما يعكس بوضوح مراحل متقدمة من النهضة العمرانية التي يشهدها الإقليم. 

عوامل الجذب والتسهيلات الحكومية

يربط عرب نجاح أربيل في الاستثمار العقاري بازدهار القطاع الخاص، واستقرار الأمن، وتطور البنية التحتية، إضافةً إلى موقعها ومطارها الدولي الذي يدفع شركات الطيران الدولية لتسيير رحلاتها إلى كوردستان بسلاسة والذي يسهل حركة المستثمرين والشركات. وأكد توسع استثمارات العرب والأجانب، خاصة في مشاريع الإسكان الضخمة، مع تعزيز فرص الاستثمار عبر تسهيلات إقامة المستثمرين الأجانب التي تتراوح بين 3 إلى 5 سنوات تشمل الأسرة، وإقامة عمل للمشترين بوحدات لا تقل قيمتها عن 50 ألف دولار. وتهدف هذه القرارات إلى تنشيط قطاع الاستثمار العقاري وجذب رؤوس الأموال الأجنبية.

في السياق نفسه، قال عرب إلى أن السوق العقاري في أربيل تتوجه نحو استخدام التكنولوجيا الحديثة، حيث تعتمد الشركات العقارية على المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي للترويج للمشاريع، إلى جانب تقنيات الواقع الافتراضي التي تمكن المشترين من جولات افتراضية داخل العقارات قبل الشراء. كما ظهرت تطبيقات ذكية تسهل عمليات البحث، وإدارة العقود، وتقديم خدمات الصيانة والدفع الإلكتروني، والسعي لتطوير هذه التطبيقات لتصبح أكثر شمولية.

وعن مفاهيم السكن العصري، أشار إلى بناء مجمعات ذكية مجهزة بأنظمة تحكم في الإضاءة والتكييف والأمن، مع اهتمام متزايد بالمباني الصديقة للبيئة التي تستخدم تقنيات توفير الطاقة والمياه، خاصة في القرى السكنية والفنادق والمشاريع التجارية، ما يدل على تطور ووعي أكبر باتجاه الاستدامة والابتكار.

تحديات السوق ونصائح للمستثمرين

وعن التحديات، أشار عرب أنها لا ترتبط فقط بارتفاع الأسعار، بل تعود إلى الخلافات بين حكومتي أربيل وبغداد، وتأخر الرواتب، ما أثر على القدرة الشرائية للمواطنين. كما ساهم تقلب سعر صرف الدولار وارتفاع التكاليف في زيادة الضغط على السوق. وأشار إلى أن الطلب يتركز حالياً على المنازل والأراضي السكنية، مقابل تراجع نسبي في الإقبال على الشقق بسبب تغيّر أولويات المشترين والأسعار. ولفت إلى أن بعض العقبات القانونية وغياب التشريعات الواضحة لا تزال تؤثر على حركة السوق، رغم جهود الحكومة في تعديل قوانين التملك، وتبسيط الإجراءات، وتقديم إعفاءات ضريبية للمشاريع خارج المدن خصوصاً النائية، وتحسين البنية التحتية وتسهيل القروض.

جهود لتعزيز الاستثمار

وبالنظر إلى هذه الجهود، يؤكد الخبير الاقتصادي بلال سعيد أن سوق العقارات في كوردستان، خصوصاً في أربيل يشهد تحديات كبيرة، أبرزها سياسات الحكومة الاتحادية المجحفة تجاه الإقليم. ويشير إلى أن أربيل وحدها شهدت منذ عام 2006 وحتى 2025 تنفيذ الكثير من المشاريع السكنية بإجازات استثمار، بلغت تكلفتها نحو 16 مليار دولار. ويؤكد أن بعض المشاريع قيد الإنشاء تأثرت بالوضع الاقتصادي، مما تسبب بانخفاض الأسعار بنسبة 5 إلى 10%، في حين حافظت المشاريع المكتملة على استقرار نسبي.

ويضيف أن أربيل ما تزال الوجهة الأبرز للمشاريع الاستثمارية مقارنة بباقي المحافظات العراقية، بفضل استقرارها الاقتصادي، إلا أن هناك جملة من العوائق تحول دون تطور القطاع، منها ما يتعلق بالواجهة القانونية، وأخرى تخص محدودية التسهيلات للمستثمرين من وسط وجنوب العراق، إلى جانب الحاجة لتعزيز الاستثمار الأجنبي. ولفت إلى أن حكومة الإقليم بدأت فعلياً بتسهيل معاملات الإقامة للمستثمرين من خارج البلاد.

كما دعا إلى توحيد الجهات المانحة للإجازات، إذ يتطلب الأمر حالياً ثلاث موافقات من الاستثمار والبلدية ووزارة إعادة الإعمار، وهو ما يعرقل التنفيذ، خاصة في ظل خطة الحكومة لتوزيع أكثر من 480 ألف قطعة أرض على الموظفين. وشدد على أهمية وضع استراتيجية شاملة لتنظيمه في مؤسسة خاصة واحدة وفق نموذج إداري مماثل لدول مثل سنغافورة وتركيا واليابان وغيرها، مع ضرورة تشخيص دقيق للسوق وتحديد مكامن الضعف والقوة تمهيداً للمرحلة المقبلة.

في النهاية، يظل سوق العقارات في أربيل محفوفاً بالتحديات، لكنه يزخر بالفرص التي تستند إلى استقرار نسبي، وبنية تحتية متطورة، وتوجه حكومي يدعم المستثمرين. نجاح هذا القطاع مرهون باستمرارية تحسين التشريعات، وتعزيز الشفافية، وتطوير بنية تحتية مستدامة، إلى جانب إدارة واعية للمخاطر الاقتصادية والقانونية، بما يضمن مستقبلاً زاهراً للاستثمار العقاري في كوردستان.

 


إيمان أسعد: صحفية وناشطة كوردية مقيمة في إقليم كوردستان شاركت في العديد من النشاطات والمؤتمرات المحلية والدولية لمناصرة المرأة

 


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved