آميدي عراقةٌ تعانق السماء
آميدي عراقةٌ تعانق السماء
September 23, 2025

تقف مدينة آميدي شامخة منذ آلاف السنين وهی تتربع على صخرة عالية تتحدى قساوة الطبيعة والظروف المتغيرة لتبقى شاهدة على التحولات والتقلبات التي مرت بها هذه المدينة الموغلة في القدم وتتميز بموقعها الجغرافي التي تحيطها الجبال والوديان والمشهورة بمواقعها الأثرية ومصايفها وطبيعتها الساحرة.

تقع آميدي على بعد 70 كيلومتراً شمال محافظة دهوك، وترتفع نحو 1400 متر عن سطح البحر وتعلو المدينة بنحو 1000 متر عن الأراضي المحيطة بها مما تبدو شكلها كقلعة كبيرة. ولا تتجاوز مساحة آميدي 3 كيلومترات مربع، تتكون المدينة من 1050 وحدة سكنية، إضافة إلى مؤسسات خدمية حكومية. أما سوقها القديم، فتفوح منها عبق الماضي وتعرض دكاكينها الصغيرة منتوجات محلية تشتهر بها آميدي مثل طحينية السمسم «الراشي» ودبس الرمان وخل التفاح الطبيعي والفاكهة المجففة والقزوان واللوز والجوز وأنواع من الحلويات والمنسوجات والألبسة التراثية الكوردية.

ذُكر اسم مدينة آميدي في وثائق تاريخية تعود للقرن الثامن قبل الميلاد، محفوظة في المتحف البريطاني باعتبارها مركزاً مهماً للميديين والآشوريين والمسجلة في أخبار الملك الآشوري شمس نبولاسر الخامس في المسلة (11) تحت الرقم 110 المحفوظة في المتحف البريطاني بلندن. كما ذكرت مصادر أخرى مدينة آميدي كمركز مهم في عهد الإمبراطورية الفرثية التي سيطرت على وادي الرافدين من سنة 139 قبل الميلاد إلى 226 قبل الميلاد، كما أنها كانت عاصمة لإمارة بهدينان الكوردية للفترة ما بين 1376 و1842 ميلادية، والتي شهدت في ذلك العهد ازدهاراً وتطوراً ملحوظين. 

وخضعت بعد ذلك للحكم العثماني، ومع تأسيس الدولة العراقية أصبحت قضاءً تابعاً لولاية الموصل عام 1924. وتحتفظ المدينة بمواقع أثرية مهمة مثل بوابة المدينة القديمة ومسجدها التاريخي ومأذنتها المرتفعة 30 متراً والتي تعود بناؤها لأكثر من 850 سنة، والتي شيدت في عهد السلطان الكوردي حسين ولي بك، فضلاً عن مقبرة الأمراء.

أما مدرسة قوبهان، فهي تعد من المواقع الأثرية المهمة في آميدي. وتاريخ بنائها غير معروف حتى الآن. لكن أغلب المصادر ترجعها إلى فترة حكم السلطان حسين ولي الذي حكم إمارة بهدينان خلال الفترة (1534 ـ 1574). يقول الآثاري كوفان إحسان لمجلة «كوردستان بالعربي» إن المدرسة كانت لها أهمية أثرية كبيرة، فقد شُيِّدت وفق طراز معماري مميز، إضافة إلى أهميتها كمركز علمي أسهم في تطوير العلم والمعرفة في هذه المنطقة. وكانت تدرس فيها العديد من العلوم كالفلسفة والرياضيات والأحياء إضافة إلى العلوم الدينية واللغة والشريعة، إذ تخرجت منها عدد من العلماء الكبار مثل الملا يحيى المزوري والملا رسول السورچي وأبو سعود الآميدي.

يوجد في آميدي عدد من المواقع الأثرية مثل المساجد القديمة والكنائس وأماكن أخرى لليهود كقبر ديفيد حزان في آميدي، فضلاً عن وجود بوابات قديمة مثل بوابة آميدي التي تضم عدة منحوتات ومقبرة أمراء آميدي. وهذه المواقع تكشف عمق الحضارة الإنسانية في هذه المنطقة مما جذب اهتمام آثاريين أجانب للاطلاع على آثارها.

ففي سنة 1819 زار الآثاري البريطاني المعروف كلوديوس جيمس ريتش، وعدد آخر من العلماء والآثاريين منطقة آميدي للاطلاع على مواقعها الأثرية وتوثيقها. وكشف الآثاري كوفان إحسان عن «وجود محاولات من قبل مؤسسات أكاديمية لتسجيل عدد من المواقع الأثرية المهمة في هذه المنطقة على قائمة حماية التراث العالي لمنظمة اليونيسكو».

تعتبر قضاء آميدي وجهة سياحية مميزة على صعيد العراق وإقليم كوردستان، إذ تشتهر بطبيعتها الخلابة وأجوائها المعتدلة صيفاً، وتضم آميدي أكثر من 200 موقع سياحي بحسب مصادر رسمیة في القضاء، وتعمل الجهات المعنية في حكومة إقليم كوردستان على تنفيذ عدة مشاريع لتطوير القطاع السياحي في المنطقة.

«هناك 16 مشروعاً سياحياً الآن قيد الإنجاز في قضاء آميدي؛ منها فندقان كبيران. وتوجد مشاريع ترفيهية، وستسهم هذه المشاريع في تطوير القطاع السياحي في المنطقة بشكل كبير». هذا ما قاله قائمقام آميدي وارشين سلمان لـ«كوردستان بالعربي»، ولفت إلى أن «الجهات المعنية في حكومة الإقليم تعمل مع مؤسسات فرنسية لترميم 6 مواقع أثرية وهي: مدرسة قوبهان وكورا سريجي، والمقبرة السلطانية، ومسجد آميدي، وقبر ديفيد حزان اليهودي، وكنيسة آميدي، فضلاً عن ترميم بوابة آميدي بدعم من القنصلية الأمريكية»، موضحاً أن «ترميم هذه المواقع سيسهم في جذب المزيد من السياح والباحثين إلى منطقتنا».

وإضافة إلى مواقعها السياحية والأثرية، تشتهر قضاء آميدي بمحاصيلها الزراعية المتنوعة كالفواكه والأرز والعسل الطبيعي، فضلاً عن منتوجاتها الغذائية المحلية كالطحينية والفاكهة المجففة. ووفقاً لقائمقام قضاء آميدي، تم تصدير أطنان من فاكهة التفاح البرواري الشهيرة إلى دول خليجية بدعم من حكومة إقليم كوردستان، كما تم تصدير كميات كبيرة من طحينية السمسم (الراشي) الشهيرة إلى أمريكا وأوروبا.

ويضيف وارشين سلمان أن هناك اهتماماً ملحوظاً بتحسين القطاع الزراعي من خلال إقامة سدود صغيرة لخزن مياه الأمطار وشق قنوات الري ودعم تسويق المحاصيل الزراعية وغيرها من المشاريع، مشيراً، في الوقت نفسه، إلى أن «المواجهات المسلحة بين القوات التركية ومسلحي حزب العمال الكردستاني في المناطق الحدودية، تعيق عمليات إعمار تلك المناطق وإيصال الخدمات إليها. فهناك أكثر من 200 قرية لا يستطيع سكانها العيش في أماكنهم بسبب تلك المواجهات». وأكد سلمان أن تحقيق السلام بين تركيا ومسلحي العمال الكوردستاني سينعكس إيجاباً على الأوضاع الأمنية في المناطق الحدودية.

مقبرة أمراء باديان في آميدي

 

تبلغ عدد سكان قضاء آميدي نحو 150 ألف نسمة يتوزعون على ستة نواحي وهي ديرلوك وشيلادزي وسرسنك وبامرني وجمانكي وكاني ماسي، فضلاً عن مدينة آميدي التي هي مركز القضاء. وتتميز آميدي بتعايش ديني واجتماعي بين سكانها وبعمق علاقاتهم الاجتماعية. فمازالت أهالي هذه المدينة الصغيرة يحتفظون بقوة علاقاتهم المتجذرة وتماسكهم الاجتماعي، إذ تعود علاقات الجيرة بين سكانها إلى مئات السنين، حسب ما قاله رئيس المركز الثقافي شريف آميدي لمجلة «كوردستان بالعربي» الذي أضاف أنه في حال وفاة أي شخص يغلق جميع أصحاب المحلات متاجرهم لحضور مراسم الدفن وتقديم التعازي. كما أن روح المشاركة الجماعية في الأفراح والمناسبات الاجتماعية تحظى بقوة ملحوظة لدى سكان مدينة آميدي، ونادراً ما تشهد المدينة حالات شجار أو خلافات بين أبنائها.

كانت مدينة آميدي تتميز بموقع تاريخي وثقافي مهم، كما أنها رفدت المدينة شخصيات معروفة في مجالات السياسة والعلوم والآداب والفنون، أبرزهم صادق بهاء الدين ومسعود كتاني وتحسين طه وعبد الله زيرين وفهيل آميدي وغيرهم. يقول قائمقام آميدي وارشين سلمان: «نسعى لإعادة مكانة هذه المدينة العريقة تاريخياً وثقافياً وسياحياً... أبوابنا وقلوبنا مفتوحة أمام الزائرين للتمتع بالمعالم الأثرية وبأجواء وطبيعة آميدي الخلابة».

 


 


X
Copyright ©2024 kurdistanbilarabi.com. All rights reserved