قام الباحث الألماني أوسكار مان برحلتين بحثيتين إلى إيران وكوردستان في مطلع القرن العشرين، امتدّتا لنحو خمس سنوات. ومن أجل دراسة العينات اللغوية الفارسية والكوردية، كان عليه أن يتوجّه بشكل رئيسي إلى المناطق الكوردية التي كانت تقع آنذاك ضمن أراضي الدولتين الفارسية والعثمانية. وقد اتخذ من هضبة إيران، وتحديداً غرب بلاد فارس، نقطة انطلاق لبعثاته.
ومن أماكن إقامته المتعددة، كان مان يرسل رسائل إلى والدته وشقيقته في برلين، يدوّن فيها يومياته وأبحاثه ومشاهداته. في هذه الرسالة، يتحدث عن لقائه بالكاتب والمترجم الكوردي المعروف ميرزا جواد قاضي من مدينة مهاباد، حيث التقاه مان، وتعاونا في ترجمة عدد من النصوص والملاحم الكوردية. تمنحنا هذه الرسائل صورة واضحة عن طبيعة عمل المستشرقين في إعداد أبحاثهم المتعلقة بشعوب الشرق.
ساوجبولاغ - 4 آب 1903
أمي الحبيبة وأختي العزيزة!
لقد خصصت اليوم بعد الظهر لأكتب لكما بهدوء. يوم الخميس يكون دائماً مليئاً بالانشغال: في الصباح حوالي الساعة الثامنة تصل الرسائل، وبحلول الساعة الثانية عشرة يريد مدير البريد الردود.
روتيني اليومي هنا رتيب جداً:
في الخامسة صباحاً أستيقظ وأوقظ الخدم ثم أنتظر حتى يتم تجهيز الحمام، ثم أغفو قليلاً.
بعد الاستحمام نتناول الفطور: قهوة، بيض، خبز، وفواكه متنوعة يعدها الطباخ الطهراني باقر بشكل ممتاز. جربوا الوصفة التي اخترعتها مؤخراً: كرز حامض مع مشمش مطبوخ معاً!
السابعة صباحاً، نبدأ العمل مع المترجم ميرزا جواد. ترجمة 8000 بيت شعري أملاها عليّ رحمن باقر من قرية حاجي حسين خلال 22 يوماً، بحيث تكون كل التفاصيل واضحة، ليست مَهمّة سهلة. المسكين ميرزا جواد يتصبب عرقاً من شدة الجهد.
نستمر بهذا الشكل حتى حوالي الـ12 ظهراً ثم نتناول الغداء: شوربة ولحم. لقد مللت من لحم الضأن لدرجة أنني سأصبح مثل الخراف إذا عدت!
ثم أستريح قليلاً.
وفي الثانية بعد الظهر أعود للعمل، ميرزا عادة ما يتأخر قليلاً.
- نستمر في الترجمة حتى نحو الخامسة والنصف ثم نركب الخيل بعد أن نغير ملابسنا.
بحلول الساعة السابعة نعود إلى المنزل؛ وفي الثامنة تماماً يحين وقت العشاء: شوربة، طبق لحوم وحلوى، غالباً ما تكون مثلجات! مثل: كرز، بطيخ، كاكاو وغيرها. عادة ما يفسد معدتي، خاصة أن الخدم يميلون إلى تقديم مخلل الخيار (مع الطماطم!) قبل اللحم في الأيام التي يعدون فيها المثلجات. المشروب الآن كما في الصيف الماضي هو الليموناضة: عصير تفاح، كرز وغيرها من الفواكه.
بحلول التاسعة والنصف أذهب إلى السرير. لكن الحرارة الشديدة في المساء لا تسمح لي بالنوم قبل الحادية عشرة أو الثانية عشرة.
هكذا يكون روتين يوم باحث؛ ممل، أليس كذلك؟ منذ الرابع من تموز، اليوم الذي وصل فيه الشاعر، لم أرَ أي إنسان! لكن الملاحم القديمة التي أملاها عليّ هذا الرجل اللطيف للغاية رائعة جداً بحيث تستحق العناء. وما زلت حتى الآن أفقد أعصابي تقريباً كل يوم: من شدة إعجابي بما جمعته هنا.
سأبقى هنا حوالي ستة أسابيع أخرى. آمل أن أعرف حينها ما يجب علي فعله.
سأرتب أموري لأكون في القسطنطينية بحلول نيسان. ما سيحدث بعد ذلك، سأكتب عنه لاحقاً.
أفكر في الذهاب منتصف أيلول من هنا إلى أورمية وخوي.على الطريق وفي خوي سأجد بعض اللهجات الكوردية المثيرة للاهتمام. من هناك سوف أذهب إلى تبريز، ومن هناك في منتصف أو نهاية أكتوبر إلى همدان (16 يوم سفر) ثم إلى سلطان آباد المحبوبة (للراحة) ومن هناك عبر كاشان إلى يزد (حوالي 15 يوم سفر أخرى). في يزد سأدرس لغة الغبرة (الزرادشتيين). من ديسمبر حتى فبراير تقريباً. ثم إذا أمكن عبر سمنان إلى طهران. من هناك عبر رشت – باكو – تبليسي - باتوم إلى القسطنطينية. وهناك قد تنضم إلينا مارتا مع أو بدون البروفيسورة والسيد ريتشارد شميدت. رحلات القوافل الطويلة إلى يزد تمنحني ذريعة ممتازة لإخبار الأكاديمية أن النقود قد نفدت.
الآن على مارتا أن تحضر لي بعض الأشياء. سأكتب اليوم إلى بلو، وسيرسل إلى مارتا قائمة ببعض الكتب (أو مقالات من مجلات). على روله أن يحضر هذه الأشياء: إذا أمكن نسخ منفصلة من المقالات، المجلة، والتي قد تكون متوفرة عند هاراسوفيتز. خصوصاً مقال (أعتقد لهومل-شيندلر أو جوستي) في مجلة الجمعية الشرقية الألمانية. إذا لم يكن متوفراً بشكل منفصل، فعلى مارتا أن تكتب إلى إف أيه بروكهاوس في لايبزيغ (وكيل كتب الجمعية الشرقية الألمانية) وتطلب إرسال المجلد المعني من المجلة لي بالسعر المخصص للأعضاء. سيتم إرسال المال مع الاشتراك السنوي إلى لايبزيغ. بمجرد وصول المقال إليكما، أرسلا العدد المعني (4 أعداد تشكل مجلداً) عبر بوشيلن إلى السفارة لي.
الخميس 6 آب: للأسف لم يصل أي شيء من طهران اليوم؛ لذا أسبوع آخر من القلق. إنه أمر يدفع للجنون. وكل هذا لأن القسطنطينية تعتبر نفسها فوق مستوى التواصل المباشر معي شخصياً. منذ 12 يوماً وصل الخطاب من القسطنطينية إلى طهران. منذ ذلك الحين وأنا أحمل البرقية بين يدي. وقد طلبت منهم صراحةً الرد المباشر! لكن رسالتكما العزيزة المؤرخة في 14 تموز ومجموعة من الصحف وصلت في موعدها. شكراً جزيلاً! أندرياس ما زال صامتاً حتى الآن. تلك البرقية التي أرسلتماها لم تكلفني شيئاً، لكنها ربما كلفتكما الكثير.
الحمد لله، وصلت سجادات طهران! أما بخصوص صندوق السجائر الذي يحتوي على المصنوعات الفضية: لقد كتبت لكما بالتفصيل عن محتويات الشحنة. لم أكن أعرف كيف تم تغليف كل شيء بالضبط، لأن السيد آرتر في طهران هو من تكفل بذلك.
يسعدني جداً أن كل شيء نال إعجابكما. يجب أن نتعامل بحذر مع السجادة الحريرية. أي عدم تعريضها لأشعة الشمس المباشرة لفترة طويلة. أخشى أنها مصبوغة بألوان أنيلين.
أن تعتبرها مارتا «نصف حرير» من أجل التوفير أمر جيد، لكنها في الحقيقة «حرير خالص».
نعم، بخصوص الملابس الرجالية الرائعة التي يجب أن تحضرها مارتا إلى القسطنطينية، سأكتب لاحقاً بتفصيل أكثر. من ناحية الملابس الأوروبية، سأصل في حالة يرثى لها. وصل خطاب الاعتماد الخاص بتركيا إلى تبريز، كما أخبرني البنك هناك اليوم. سأبقى هناك حتى أستلمه شخصياً. لقد أرسلوا لي إيصالاً. سأحفظ تعليمات ميشيل جيداً.
يمكن تحقيق رغبة الوالدة في الحصول على سجادة حريرية ثانية بسهولة، خاصة إذا ذهبت إلى يزد حقاً. هناك صناعة حرير كبيرة والتخصص: شالات حريرية!
لا أعرف متى سيصل الوسام؛ في ذلك الخطاب من السفارة كتب لي السيد ليتن أنه سيصل «قريباً». لذا تحلَّيا بالصبر! يجب أن أكون أكثر صبراً في أمور أهم بكثير.
ومرة أخرى، كما قلت سابقاً: على الأم الحبيبة أن تحافظ على صحتها، أن تأكل وتشرب الكثير من الأشياء الجيدة والمفيدة، حتى أتمكن من أن أُريها على الأقل الجزء الشمالي من إيطاليا: بحيرة كومو وغيرها!
أرسلا تحياتي إلى شلونكن وبريهم ومن يستحق التحية. أما أنتما، فلكما الأحضان والقبلات.
المخلص أوسكار
جان دوست: كاتب وروائي ومترجم كوردي صدر له العديد من الكتب والروايات